بواسطة د. محمد دودح
طبيب مصري وباحث في اعجاز القرآن
طبيب مصري وباحث في اعجاز القرآن
" وَعَدَنَا الحق تبارك وتعالى في جملة مواضع بأن في القرآن أنباء ستتضح معانيها في مستقبل الأيام كآيات تثبت كل حين أنه الحق للعالمين؛ السابقين واللاحقين, نحو قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ ص: 87و88,
وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ الأنعام: 67,
وقوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ النمل: 93,
إذن من القرآن ما يَحَار في دلالته الأولون ويفسره الزمان؛ حتى يستقر في الأذهان, ولم تكن البيئة العربية مؤهلة لِتُخَاطَب بعلوم الكون؛ وإن كانوا أبلغ فُصَحَاء عصرهم, ونصيب اللاحقين إذن يتعلق بكشف أسرار الكون قبل أن تنكشف للناس؛ وفق ما يُفِيدُه صريحًا قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ فصلت: 53.
وفي قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ النمل: 88؛
اجتهد البعض من الأعلام الأجلاء فحملوا الدلالة على المستقبل البعيد حين تدمير العالم استعدادًا للقيامة والحساب, وتردد البعض لأن السياق لا يُساعد, وجزم آخرون فقالوا أن الجبال تتحرك حقيقةً؛ وإن كان بخلاف ما يشاهدون لأنه قول الحق, وأنزل البعض حركة الجبال على حركة كوكب الأرض؛ باعتبار الجبال جزءًا منه, ولكن حركة الأجسام نسبية؛ والغلاف الهوائي المُمَيَّز بالسحاب تابع للكوكب؛ وكذلك الغلاف الصخري المُمَيَّز بالجبال, وإذا تحرك الكوكب تَحَرَّكَا معه, فلا يُمكن وصف حركة جزء إلا بالنسبة لآخر يُعتبر ثابتًا, ولا تصح نسبة حركة طبقة الجبال إلى الكوكب وهي تتحرك معه, والقرآن الكريم صريح في أن طبقة الجبال التي خلقت لاحقا تهيئةً للكوكب فوقه؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا﴾ فصلت: 10,
وإنما تُنسب حركة الغلاف الصخري المُمَيَّز بالجبال إلى ما دونه؛ كما تُنسب حركة السحاب إلى طبقة الغلاف الصخري دونها, والمعنى إذن المُصَاغ بتلطف لا يلفت عن غرض؛ بيان قدرة الله تعالى والعلم بما خلق؛ إيذانًا بيوم الحساب على ما فعل من خلق, هو أن الكوكب طبقات؛ والجبال العِظَام تحملها تيارات باطنية وتُحَرِّكَهَا ببطء, كما تحمل تيارات الهواء السحاب وتُحَرِّكُه ببطء. "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق